معبد الخيانة، ساهر شاكر، 2018

إبرازاً لدور الفن في التعافي النفسي الأمم المتحدة تنشر أرشيفاً رقمياً يوثق تجارب الإيزيديون الناجون من الإبادة الجماعية

مقر مؤسسة يزدا، دهوك، العراق / معهد العالم العربي، باريس، فرنسا
|
26
أكتوبر
2022

نشرت الأمم المتحدة اليوم على منصة جوجل للفنون والثقافة أول أرشيف رقمي يوثق ثقافة اليزيديين، الذين يشكلون مجموعة أقلية في شمال العراق عانت من الإبادة الجماعية على يد تنظيم داعش في عام 2014. يتألف الأرشيف الايزيدي المنشور باللغتين الإنجليزية والعربية من أربعة معارض رقمية أنشأتها 16 امرأة أيزيدية بالتعاون مع مؤسسة يزدا، وهي مؤسسة عالمية يقودها المجتمع المحلي وتسعى للدفاع عن جميع الأقليات الدينية والعرقية وحمايتها، بما فيها الأيزيديين. وجاء إطلاق هذه المبادرة بالشراكة مع مجتمع جميل الدولي، ومؤسسة "كلتش ّرنر" (CULTURUNNERS)، ومكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المعني بالتكنولوجيا، ومنصة "لا أحد يستمع" (Nobody’s Listening). كما تقدم مبادرة الفنون والصحة بجامعة نيويورك وبرنامج الفنون والصحة التابع لمنظمة الصحة العالمية دعماً سخياً لبرنامج تقييم أثر المحفوظات على الرفاهية النفسية للمشاركين. تم إطلاق الأرشيف من مقر يزدا في دهوك بالعراق ومعهد العالم العربي في باريس بفرنسا.

وتهدف الأرشيفات، التي تم تطويرها على مدار 12 شهرا، إلى دعم الناجيات الإيزيديات من الإبادة الجماعية في شمال العراق عام 2014 من خلال إنشاء مستودع رقمي دائم للثقافة الإيزيدية. وبالاستفادة من الفوائد النفسية المعروفة للدعم الجماعي، والمشاركة الفنية، والتحقق من الصحة الثقافية، تم تقديم البرنامج من قبل يزدا بدعم من صندوق الصحة الثقافية العراقي، الذي أنشأه مجتمع جميل و CULTURUNNERS في أبريل 2021، كجزء من مبادرة فنون الشفاء تحت رعاية مبادرة منظمة الصحة العالمية للفنون والصحة. وقدم المشروع دعما مباشرا ل 16 ناجيا من مخيمات المشردين داخليا في قادية وخانكي ومامرشان وكبارتو والشريعة وشاميشكو في محافظة دهوك، وستستخدمه يزدا الآن في برامج دعم اجتماعي أوسع نطاقا.

وجاء طرح هذه المبادرة بهدف معالجة تداعيات الإبادة الجماعية التي خلفت آثاراً هائلة على المجتمع الايزيدي، وتسببت في قُتل الآلاف من الرجال، واختطاف أكثر من ستة آلاف امرأة وطفل واستعبادهم، بل واغتصاب الكثير منهم، فضلا عن محاولات الانتحار والوفيات المرتبطة بها. كما تشير التقارير إلى أن تنظيم داعش قام بتهجير 360 ألفاً من السكان الايزيديين البالغ عددهم أكثر من نصف مليون شخص في العراق قبل عام 2014، ولا يزال أكثر من 200 ألف شخص يعيشون في مخيمات النازحين داخل العراق حتى اليوم.

ومع أن الفنون ُعرفت منذ القدم بكونها وسيلة فعالة في تسهيل الاتصال والتعلم والتعبير، إلا أن العديد من الدراسات العلمية التي أجريت في العقود الأخيرة أظهرت فوائد جوهرية للفنون على الصحة والرفاهية النفسية. ويأتي هذا المشروع تزامناً مع تعافي العالم من أكبر أزمة صحية منذ جيل مضى، ليشكل بذلك دليلاً على صحة البحوث المستمرة حول التأثير الإيجابي للفنون والأرشفة التشاركية للثقافة، التي يمكن أن يكون لها تأثير ف ّعال في تحسين الصحة النفسية والتعافي من آثار الأحداث المفجعة في المجتمعات المتضررة من النزاعات.

وجاء إطلاق الأرشيف الثقافي الايزيدي عبر فعاليات أقيمت في دهوك وباريس بحضور مجموعة من الناجيات الإيزيدييات اللاتي ساهمن في إنشاء الأرشيف، بالإضافة إلى نخبة من صناع السياسات والباحثين والمختصين في مجال الثقافة والصحة، لتكريم المشاركين في المشروع وتسليط الضوء على دور الفنون في دعم التعافي النفسي وتعزيز القدرة على الصمود في ظروف ما بعد الأزمات. كما تضمنت هذه الفعاليات عرضاً متعدد الوسائط للمحفوظات الأرشيفية وتجربة واقع افتراضي من قبل منصة "لا أحد يستمع"، إلى جانب شهادات من الناجين وكلمات ألقاها ممثلو الشركاء لإلقاء الضوء على تأثير المشروع في سياق حركة الفنون والصحة.

وبهذه المناسبة، قال حيدر الياس، رئيس يزدا : “ثقافتنا هي هويتنا، والحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية لبقاء مجتمعنا، سيما بعد الإبادة الجماعية عام 2014، والتي أعقبها إبادة ممنهجة لثقافتنا ما زالت مستمرة حتى اللحظة بتدمير معابدنا ودور عبادتنا بعد ما اضطررنا إلى العيش في مخيمات النازحين لأكثر من ثماني سنوات. والآن يأتي هذا الأرشيف الرقمي الذي أنشأه الناجون ليكون بمثابة دعم معنوي لأولئك الذين تعرضوا لصدمات نفسية وعانوا من ذعر عميق نتيجة فقدان جذورنا وثقافتنا."

وقال كريستوفر بيلي، رئيس قسم الفنون والصحة بمنظمة الصحة العالمية: "تتمثل رؤيتنا في إطلاق ثورة في عالم التشافي بالفنون في سبيل تحسين الرفاهية الجسدية والنفسية والاجتماعية لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، لا سيما في ظل توافر مجموعة متزايدة من الأدلة على أن المشاركة في الفنون والاستمتاع بها يمكن أن يساعد الناس على التأقلم واستعادة قواهم وتطوير قدراتهم وبناء المجتمع وإضفاء لحظات من الفرح على حياتهم."

وقال جورج ريتشاردز، مدير مجتمع جميل الدولي : "توثق هذه المحفوظات الأرشيفية ثراء الثقافة الأيزيدية وقد تم إنشاؤها من خلال مشروع تشاركي مصمم لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للناجين من الإبادة الجماعية التي شهدها المجتمع الأيزيدي. ويسعدنا العمل جنباً إلى جنب مع هؤلاء الشركاء الملهمين، لا سيما النساء اللائي أنشأن هذه المحفوظات المذهلة، والباحثين والأخصائيين الذين يساعدون في توسيع مداركنا حول تأثير الفنون في تحسين الصحة والرفاهية النفسية."

وقالت الدكتورة نيشا ساجناني، المدير المؤسس لقسم الفنون والصحة في جامعة نيويورك: "اختارت النساء اللواتي أنشأن هذا الأرشيف تأكيد هويتهن من خلال توثيق العادات والتقاليد الأيزيدية للأجيال القادمة، وهُ َّن بذلك يعكسن قوة مجتمعهن وكرامته وقدرته على الصمود والبقاء، وهذه لا شك مساهمة جوهرية في الحفاظ على الذاكرة الاجتماعية في أعقاب الأحداث العنيفة التي شهدها المجتمع الأيزيدي، وخطوة مهمة نحو تعزيز مصداقية الأدلة المتوفرة حول الفوائد الصحية للفنون."

وقال جاك لانغ، مدير معهد العالم العربي: "يمكن للفن أن ينقذ الأرواح، ونحن في معهد العالم العربي مقتنعون بذلك، وفريقنا بأكمله، بقيادة ناتالي بونديل، التي عملت لسنوات عديدة في مجال التشافي بالفنون، ملتزم بدعم قضية النساء الأيزيديات الشجاعات اللواتي وثقن للعالم بأسره هويتهن ومعاناتهن من عنف الرجال والإبادة الجماعية التي عانين منها. وبفضل هذا الأرشيف، تستطيع النساء بجهودهن مساعدتنا في الحفاظ على إنسانيتنا المشتركة. ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر لجميع المساهمين في هذا المشروع الإصلاحي، وقبل كل شيء للمشاركات اللاتي سعدنا باستقبالهن في معهد العالم العربي."

يدعم صندوق الصحة الثقافية العراقي عرب الأهوار على طول نهري دجلة/ الفرات في جنوب العراق والمجتمع الأيزيدي في شمال العراق من خلال برامج مخصصة لتعزيز الجوانب الثقافية، ويركز بشكل خاص على المشاركة المجتمعية. وكان الصندوق قد دعم في وقت سابق مشروع "إعادة تخيل سفينة العراق برؤية جديدة: الجناح الاستكشافي" – وهو أول مشاركة عراقية على الإطلاق في معرض بينالي الدولي للعمارة في البندقية 2021، وتولى تنفيذه الفنان رشاد سالم، بتكليف من وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، وبرعاية "مشاريع سفينة"، وتم إنتاجه بدعم من مجتمع جميل ومؤسسة "كلتش ّرنرز" (CULTURUNNERS) كشركاء للجناح العراقي، ويهدف إلى الحفاظ على الممارسات الثقافية التقليدية، بما في ذلك العمارة المحلية وبناء القوارب، ودعم المجتمعات المتضررة من النزاعات وتغير المناخ والأوبئة.